بدأت مؤسسة ھیفولوشن الخیریة مسارھا نحو إحداث تغییر جذريّ في عالم الطبّ، لكن مواجھة الشیخوخة لیس بالأمر الجدید، فھي تشكل معضلة یتسابق لحلّھا العدید من العلماء والأطبّاء وصنّاع القرار والباحثین في جمیع أنحاء العالم.
من الصعب أن ننكر التقدّم الذي أحرزته البشریة لإطالة عمر الإنسان، فمنذ آلاف السنین، كان متوسط العمر المُتوّقع عند الولادة یُقدَّر بنحو ثلاثین عامًا في جمیع أنحاء العالم، مقارنةً بخمسین عامًا في الدول المتقدمة. أمّا الیوم، فیبلغ المتوسط العالمي أكثر من 72 عامًا، حیث تُشیر الأبحاث الأخیرة للأمم المتحدة إلى أن متوسط العمر المُتوقّع في العالم سیرتفع بمقدار خمس سنوات أخرى بحلول عام 2050 وھدفنا الرئیس لا یقتصر على إطالة عمر الإنسان، إنما یتوجّب علینا أن نغیّر منظور العالم تجاه الشیخوخة.
نذكر في ھذا الصدد اقتباس من المؤلف وعالم الطبیعة بیار جول رینارد: " لا یتعّلق الأمر بعمرك فحسب، بل بصحّتك خلال تقدّمك في العمر". فنحن نجحنا في إطالة فترات حیاتنا، لكننا نشھد من جھة أخرى ارتفاع في نسبة الأمراض ، مما یؤدّى إلى تراجع صحتنا، وبالتالي عدم قدرتنا على الاستمتاع بحیاة طویلة.
في الواقع، یُعدّ العمر الزمني العامل الأكثر خطورة للإصابة بالأمراض الشائعة: كأمراض القلب والأوعیة الدمویة والخرف والسرطان والسكري، حیث ترتبط ھذه الإصابات المَرَضیّة بشكلٍ مباشر بعامل العمر.كما ذكر الدكتور لویجي فیروتشي، المسؤول عن دراسة بالتیمور الطولیّة حول الشیخوخة في المعھد الوطني لأبحاث الشیخوخة في الولایات المتحدة." لاحظنا تحوّلًا جوھریًا في منظور المجتمع تجاه الشیخوخة من اعتبارھا مرحلة نحتاج إلى مراعاتھا، إلى عامل مُسبّب للأمراض".
فإذا غیّرنا طریقة تفكیرنا، استطعنا معالجة مشكلة بالغة التعقید. فلنفكّر بالمشكلة من منظور بسیط للغایة: الآن وبعد أن تمكّنّا من إطالة فترات حیاتنا، كیف یمكننا الاستفادة والعیش بشكلٍ أفضل؟
یكمن الجواب ببساطة في فھم مراحل الشیخوخة وآثارھا، بدلًا من التركیز على الأمراض الناتجة عنھا ودراسة كل حالة مرضیة على حِدة. فمؤسسة ھیفولوشن الخیریة تسعى إلى تشجیع العلماء والأطباء والباحثین الموھوبین في العالم على اتّباع ھذا النھج في التفكیر، لنحوّل طول العمر إلى نعمة وسمة ممیّزة للبشریة.
آثار الشیخوخة غیر الصحّیة ھي مشكلة عالمیة وتتطلّب معالجة سریعة
تُظھر البیانات الواردة في أحدث تقریر صادر عن الأمم المتحدة حول سكان العالم أن الفئة العمریة فوق ال 65 عاماً ھي أسرع المجموعات نموًا بین سكان العالم، ومع تزاید عدد الدول التي تشھد انخفاضًا في عدد سكّانھا - بمجموع 55 دولة، بما في ذلك الصین-، ویظھر ذلك من خلال تراجع الفارق بین نسبة الأفراد الذین ھم في سن العمل من إجمالي عدد السكان مقارنة بالأفراد الذین تزید أعمارھم عن 65 عامًا.
غیر أن ھذه الاتجاھات والأرقام ترافقھا تكالیف اجتماعیة واقتصادیة غیر مُستدامة, حیث تتحمّل جھات الدعم الاجتماعي لكبار السن ضغوطات كبیرة في العدید من البلدان، حتى "المتقدّمة" منھا، كألمانیا مثلًا، وذلك بناءً على بعض التقاریر التي تُشیر إلى تحمُّل ھذه الدول التزامات غیر مُسجّلة مرتبطة بالشیخوخة وتتجاوز إلى حدٍّ كبیر ناتجھا المحلي الإجمالي السنوي.
وحتّى الآن، عادةً ما یتم تأطیر الشیخوخة والتقدّم بالعمر بناءً على منظور مَرَضي. ومع ذلك، نلاحظ ارتفاع نسبة الوعي تجاه الحاجة إلى تعزیز العافیة والرعایة الوقائیة لتخفیف تكالیف العلاج غیر أن ھذا الوعي حول "تسونامي الشیخوخة" یغفل عن سؤال مھمّ ، ألا وھو: ماذا لو نظرنا إلى مفھوم الشیخوخة كحالة حیویة وجرت معالجتها على ھذا الأساس؟
التحوّل من إطالة العمر إلى تحسین العمر الصحّي
لسوء الحظ، نعاني من نقص في الآلیات والحوافز التي تدفع بعجلة البحث العلمي في مجال الشیخوخة، كما أن النھج التقلیدي المُعتمد یحقّق مخرجات متدھورة.
أمّا من ناحیة تقییم العوائد مقابل الموارد المُستخدمة ، فإن آلیات البحث والتطویر المُتبّعة حالیًا في مجال المستحضرات الدوائیة الحیویة غیر فعّالة لدرجةٍ أنھا استقطبت اسم قانون "إیروم" (Eroom)، وھو نسخة عكسیة من تھجئة اسم قانون "مور" في الإنجلیزیة (Moore)، والذي تنبّأ بشكلٍ دقیق خلال عام 1965 بأن تقدّم الحوسبة سیتضاعف من حیث القوّة كل عامیْن، بالتوازي مع انخفاض التكلفة. غیر أن اكتشاف الأدویة أصبح أبطأ وأكثر تكلفة مع مرور الوقت، مما أدّى إلى صیاغة ھذا الاسم من قبل المحلّلین. فنسبة الاكتشافات الطبیة التي تحافظ على استدامتھا خلال مسارھا من المختبر إلى المریض منخفضة للغایة، وتفتقد للقدرة على المحافظة على الاستمراریة.
تلتزم مؤسسة ھیفولوشن الخیریة بتخصیص الموارد المطلوبة وتھیئة الظروف اللازمة لتعزیز فھمنا للشیخوخة وآثارھا. فیجب ألّا یقتصر تركیزنا على إطالة عمر الإنسان فحسب، بل على تحسین عمره الصحّي - أي الجزء الذي یعیشه الفرد بشكلٍ جید ومُنتِج وخالٍ من الأمراض خلال حیاته - فنستطیع حینئذٍ أن نتخیّل مستقبلنا بشكلٍ مختلف تمامًا: مستقبل قائم على مجموعة دیموغرافیة ضخمة، تتمتّع بصحة جیدة نسبیًا، وقادرة على العمل والإنفاق والمساھمة في مجتمعاتھا بشكلٍ فعّال على الصعید الثقافي والتجاري.
الآثار الاقتصادیة الناتجة عن الشیخوخة غیر الصحّیة